إن المفكرين الحقيقيين قليل في هذا الورى, والمشككين الحقيقيين أقل منهم, أما المطمئنون إلى كل شيء فملء الأرض... وأفتك أوبئة الإنسانية , ذلك الاطمئنان الداخلي , مرض الدهماء الذين يعومون في زبد أنفسهم , ولا يغو صون في لجتها , تلهيهم ثرثرة الساقية عن صمت النهر الهادئ حيث الحيتان الضخمة التي تبتلع حوت يونان ...
مارون عبود / قدماء ومجتر ون (1948) ص 13 .
يتغلغل الكاتب سعد البازعي من خلال مؤلفه (قلق المعرفة . إشكاليات فكرية وثقافية ) في ثنايا السؤال : لماذا تنطوي المعرفة على قلق دائم ؟ وقد أفرد مناحي عدة للإجابة عن هذا التساؤل ففي( أ. قلق الأطر )الفصل الأول من الكتاب الذي يعالج إشكالية (جمهور الثقافة أم ثقافة الجمهور ) ؟
تتعدد مصطلحات التلازم بين "ترجمة" و "ثقافة" و يمكن أن نميز أربعة مصطلحات رئيسة: ترجمة الثقافة /ثقافة الترجمة/ الترجمة الثقافية/ الثقافة الترجمية؛ ومن الصعوبات المألوفة في دراسات الترجمة تلك الإشكالية القائمةبين المقاربات التاريخية و السنكرونية لتحليل و توصيف ثقافة الترجمة، إذ يمكن أن نقدم ثقافة الترجمة بوصفها مجموع الأنواع المختلفة من النصوص المترجمة و يمكن أن توصف على إنها الهرمية المنتظمة .....أقــــــرأ المـزيــــــد
بدأت ظاهرة استنساخ المطبوعات في العقد الأخير من القرن المنصرم , ففي الثمانينيات كانت الحكومة العراقية منشغلة بالحرب , إذ إن المثقف العراقي لا يستطيع ان يفكر باستنساخ حرف وليس كتابا , اما في التسعينياتاشتهرت الكتب المستنسخة وخاصة في بغداد , وكان سبب استنساخ الكتب هو سبب سياسي ....أقرأ المزيـــــــد
ماذا يريد هذا ( الديوجيني ) ذو السحنة الغامضة ، الذي يعرج من الحبّ ، ويتصاعد بالرؤى ، وهو يرفع مصباحه في وضح النهار ، وابتسامة السخرية ترتسم على شفتيه ، أن يرى ؟
بعد أن طوى رواية (الشيخ والبحر) لهمنغواي مساء ذلك الخميس .كانت العائلة قد أكملت سهرتها على فلم (نحن لا نزرع الشوك). انطفأ الضوء وتوزعوا الغرفة الواحدة نائمين في خطوط متقاطعة مثل عيدان كبريت مشبوكة على الأرض كان وقتها عاكفا تحت مساحة ضوء المصباح الكابي الشحيح في باحة البيت والتقاطات حواسه على عالم لا يرغب أن يفيق منه ويطلع النهار. والشمس مثل كل صباح تملأ ساحة البيت . تحت ظل شجرة التوت الأحمر.
مع ان المدينة التي نسكن فيها واحدة ، غير ان مداخل الوصول اليها والنفاذ داخلها ليست واحدة ، اذ ان لكل منا مدخله الى المدينة ومساراته فيها ، وصورتها المتفردة التي نبنيها ، وسعادتنا التي نجنيها ، ونحن نتلقى كرم الوجود وهو يأتي بفعل المعرفة ، بما هو خاصتنا ومدينتنا وعالمنا . ومع ان في المدينة سواك ، فالخلاص في ان تنفذ الى ماترى ، وان تقدم للاخرين قولا مختلفا عما ألفوه .
استقبال الشاعر لنصه قراءة استكمالية في قصيدة( صديق الستينات) لسركون بولص
*صالح زامل
يمكن إن يعود الشاعر لنصه مثل أي قارئ، لكنه قد يكون قارئا منحازا ، لأنه سيكون أكثر القراء حرصا على ترميم هذا النص أو تحميله دلالات قد لا يقف عليها أي قارئ آخر ، بمعنى هل يستمر المؤلف في ممارسة سلطته على النصوص بعد نشرها، إذا كان ذلك أيضا حقه، فان النصوص التالية وقراءتها تحمل على أنها نص جديد، ويمكن إن يعود النقد إليها - أي النصوص بطبعتها الأولى- ليفحص ما حصل عليها من التغيير- حذف أو إضافة أو إعادة صياغة- وهو ما يلتفت إليه سركون بولص في قراءته لأحد نصوصه، وسنشير إليه في موضعه، فقد حرص على الإشارة أن لا تكون قراءته منحازة عندما اختار أحد نصوصه نموذجا لقراءة معينة وهي الحديث عن جيله.
بيد اني لم استطع الكلام , متذكرا أن واحدا بعينه هو المقصود
أن ينهض و ألاّيبوح! ايتها العاصفة الفتية , هذا البيت لك!
و لتسوّد عيوننا اذ اقبل مطرك و الشمعة تدور و تدور
بأعماق ما لم يزل يعكس سطوة على نفسه و عليّأنا !
وعلى سوسنا ت الصباح ذات عروق الصدأ الرمادي العظيم : المتواضعة و ذات الشموخ
على طول مسارك سيمرغ الجبا ه بالتراب !
*
جيمس ميريل(1920 – 1995)من شعراء الولايات المتحدة المعاصرين المبرزين , احرز الكثير من الجوائز الادبية و منها :جائزة الكتاب الوطني لمرتين عن مجموعتيه (ليال و نهارات) و (ميرابل) و جائزة بولينجن عن مجموعته (تحدي الاوليّات) و جائزة بوليتزر عن ديوانه (كوميديات آلهيّـه) و جائزة حلقة النقاد للكتاب الوطني عن ديوانه ( النور المتغير في ساندوفر) .
*أكاديمي ومترجم عراقي*
Another April
The panes flash, tremble with your ghostly passage
Through them, an x-ray sheerness billowing, and I have risen
But cannot speak, remembering only that one was meant
To rise and not to speak. Young storm, this house is yours.
Let our eye darken, your rain come, the candle reeling
Deep in what still reflects control itself and me.
Daybreak's great gray rust-veined irises humble and proud
Along your path will have laid their foreheads in the dust
GRASS
The river irises Draw themselves in. Enough to have seen Their day. The arras
Also of evening drawn, We light up between Earth and Venus On the courthouse lawn,
Kept by this cheerful Inch of green And ten more years—fifteen?— From disappearing.
من المرارات المتعاقبة , أردت استخلاص قطرتين من الحلاوة , من البؤس المتكرر , أردت الانتهاء , إلى وهج يعجز إن ينال منه أي بؤس , في زمن مهشم , معذب , أردت إن أتبين جمالا يتخطى التهشيم والعذاب , وبقدر ما انخرطت في زمني هذا , كان همي ان انتزع منه ما ينمي شجرة الأمل بان الإنسان سيخرج من ذلك منتصرا لإنسانيته وحبه ممتلئا من نعمة الله وروعة الكون , وان دهشته سوف لن تنتهي , ولو ان بؤسه قد لا ينتهي أيضا .. ( جبرا إبراهيم جبرا )
بهذه الكلمات المعبرة أعمق تعبير يلخص الأستاذ جبرا إبراهيم جبرا تجربته الثرة في الإبداع والحياة على اتساعها وتنوع مساراتها المختلفة وموسوعيتها .
ولد جبرا عام 1920 في مدينة بيت لحم فلسطين . عاش طفولته فيها وشرع بالدراسة في مدينة القدس . ثم انتقل بعدها للدراسة في جامعة كامبرج في المملكة المتحدة , وفي عام 1949 عام النكسة انتقل الى العراق ومكث فيه حتى وفاته في 12/12/1994 .
جبرا إبراهيم جبرا قامة سامقة في سماء الثقافة العربية لا يختلف فيها اثنان حيال أهميته في المشهد الإبداعي والثقافي العربي , جبرا إبراهيم جبرا كاتب موسوعي متعدد الاهتمامات موسوعي المعرفة في العديد من مجالات الثقافة والإبداع . كان روائيا مبدعا وناقدا ثاقب البصيرة عميق الأثر وناقدا تشكيليا ضليعا وقبل ذلك رساما ومترجما متمكنا وذواقا للأدب . ويجمع النقاد انه لم يكن شاعرا مثله مثل إجادته في باقي المجالات الإبداعية على الرغم من مجاميعه الشعرية الأربع التي أصدرها وهي : تموز في المدينة في عام 1959 , المدار المغلق في عام 1964 ولوعة الشمس في عام 1979 , ومجموعته الرابعة متواليات شعرية في عام 1996 , بيد انه كان يواصل التنظير والنشر بشأن رؤيته للشعر .
في فن الرواية كان لجبرا العديد من الروايات المهمة إذ بدأها بـ ( صيادون في شارع ضيق ) وقد كتبها بالانكليزية طلبا للشهرة والمجد حسب رأيه الشخصي , بيد انه سرعان ما اكتشف إن الشهرة يمكن إن تأتي تبعا لأهمية العمل الروائي لا للغة العالمية كما فعل أول مرة , صدرت ترجمة هذه الرواية عام 1974 , ثم اصدر روايته اللاحقة ( البحث عن ولد مسعور ) ثم السفينة والتي يعدها الناقد الدكتور نجم عبد الله كاظم من اخطر الروايات العربية الحديثة ثم ( يوميات سراب عفان ) و ( عالم بلا خرائط ) بالاشتراك مع الروائي العربي الكبير عبد الرحمن منيف .
وتعد الرواية الأخيرة تجربة فريدة , كونها عملا روائيا يكتبه روائيان . وكذلك رواية (الغرف الأخيرة ) ويؤاخذ جبرا على كون شخصياته الروائية في الأعم الأغلب من المجتمع المخملي من المثقفين ومن الطبقة الارستقراطية في المجتمع . وفي النقد الأدبي كتب وترجم جبرا كتبا نقدية رائعة ظلت شاخصة في المشهد الثقافي العربي مثل (الحرية والطوفان ) ( وينابيع الرؤيا )( والنار والجوهر ) و(الأسطورة والرمز ) و(قلعة اكسل ) لادمون ولسن و(الرحلة الثامنة) و(شكسبير والإنسان المستوحد ) و(تأملات في بنيان مرمري ) و(جذور الفن العراقي ) و(ماقبل الفلسفة) لهنري فرانكفورت.
من الجدير بالذكر إن جبرا إبراهيم جبرا قام بترجمة العديد من روائع مسرحيات شكسبير مثل( الملك لير) و(عطيل) و(هاملت) و(مكبث) و(العاصفة) فضلا عن السونيتات الشكسبيرية وترجم مسرحية بيكيت ( في انتظار غودو) وترجم فصلا من الغصن الذهبي لجمس فريزر, كما قام بترجمة رواية فوكنر (الصخب والعنف) وقد عقب على ترجمته الاخيرة انه قام باختيار قمتين من قمم الأدب العالمي احدهما متمثلة بشكسبير وقد قام بترجمة العديد من مسرحياته كما اسلفنا وترجم للقمة الثانية وليم فوكنر( الصخب والعنف) وعهد بترجمة رواية( نور في آب) لفوكنر الى صديقه عطا عبد الوهاب وقد فعل الأخير ذلك .
ولقد توج إعماله الرائعة تلك بين الموضوعة والترجمة بإصدار كتابين هما عبارة عن سيرته الذاتية , صدر الجزء الأول منها تحت عنوان البئر الأولى في عام 1989 في حين صدر جزؤها الثاني تحت عنوان شارع الأميرات في عام 1994 . وقد كتبهما بأسلوب سردي رائع تقرأهما وكأنك تقرأ رواية شعبية أجيد سبكها على دراية ومران طويلين . هذا الدفق الهائل الكبير للمنجز الإبداعي لجبرا إبراهيم جبرا الذي توزع بين القصة القصيرة والرواية والترجمة والشعر والنقد الأدبي والفن التشكيلي يحيلنا إلى حقيقة مفادها إن الموهبة والتكوين الثقافي لهذا المبدع الكبير العملاق جنبا إلى جنب , إذا شحت الموهبة وهيهات لدى جبرا إن تشح فاض التكوين الثقافي رؤى وعطاءا ثرا واذا شح التكوين الثقافي وهيهات ان يشح فاضت الموهبة الجبراوية عطاءا واصالة وتنوعا , ترى كيف تأتى له هذا الالمام الواسع في مجالات الابداع ولو لم يكن مستندا الى ارث معرفي وثقافي منوعين يجد فيه جبرا انه ليس سوى مجالات للتعبير تختلف بحسب طبيعة الظروف المحيطة يدعمها شخصي مثابرة صبورة سعيا لاثبات الذات في زمن عز فيه الوطن في ارض الشتات . وهذا بالضبط ما سعى جبرا لاثباته بكفاءة ومقدرة وقد نهج فيه الى ابعد الحدود المتاحة .
ان اطلالة سريعة كهذه وبهذه العجالة لايمكنها ان تتيح المجال لتناول ابداع هذا الرجل فانني لم اذكر جميع ما كتبه او ترجمه فهو بحاجة الى دراسات كثيرة ومتنوعة بتنوع ابداعه .يعتقد جبرا ان اهتماماته كلها انما تصب بدفق في خضم هذا النهر الجاري من الابداع والاصالة وانها على كثرتها وتعددها وتنوعها مدعاة للتساؤل عن جوهر الابداع الحي ودفقه الباذخ الآخاذ وعمقه وروعته . انها ذخيرة حية لمبدع كبير قال كلمته بقوة ثم رحل الى الابدية .وحين عنونت المقال (أستاذي .. جبرا إبراهيم )انما انني تعلمت منه من خلال منجزه الكبير كما تعلمت من اساتذتي الافاضل جزاهم الله عني كل خير ..